الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد,
فان الغرب استخدم كثيرًا من الوسائل لإحداث التغيير في المجتمعات المسلمة وصبغها بالصبغة الغربية، وإزالة هويتها الإسلامية وتخريج جيلا خال من الدين يتبنى اللادينية والعقلانية ودفعه إلى المناصب القيادية، وعزل أصحاب العقيدة وأتباع السلف عن الحياة والتوجيه والتأثير بهدف إبعاد الطابع الإسلامي عن واقع المسلمين، فكانت سياسة الاستعمار في كل بلاد المسلمين، تمكين المستعمرين والعلمانيين لتولي عملية التحول لبلاد المسلمين بعد رحيله عن البلاد بجنوده ومدافعه, وكان من أبرز تلك الوسائل
البعثات والإرساليات العلمية
كان محمد علي باشا هو رائد تلك الغاية، شجعه على ذلك فرنسا، فتبنى إرسال عدد من أبناء المسلمين إلى بلاد أوروبا في بعثات دراسية بهدف صنع دعاة للفكر الغربي وتخريج دارسين لصناعة أوربا متعلقين بالمجتمع الأوروبي، منبهرين بزخارف حضارته المادية، ومن أبرز هؤلاء الذين نادوا بتقليد الغرب واتباع ثقافته رفاعة الطهطاوي، وطه حسين، وقاسم أمين، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، وأحمد لطفي السيد، وعلي عبد الرزاق، والخديوي إسماعيل، وسعد زغلول، وآخرون يعتبرهم الكثير من العوام من الأعلام بيد أنهم في ميزان الشرع أقزام
رفاعة رافع الطهطاوي
مع أنه صعيدي النشأة وأحد خريجي الأزهر، إلا أنه كان من أوائل المبعوثين إلى أوربا، مكث في فرنسا ما يقرب من خمس سنوات تعلم فيها الفرنسية، وخالط أهلها وتأثر بهم وعاد من فرنسا ينادي بالوطنية والفرعونية والقومية وإطلاق الحريات وتقنين الشريعة على نمط المدونات الأوروبية الوضعية، بالإضافة إلى حديثه عن تحديد الطلاق ومنع تعدد الزوجات واختلاط الجنسين حتى وصف الرقص الغربي بأنه لون من ألوان الفتوة فضلاً عن ترجمته لبعض الكتابات الأوروبية التي ساعدت على انتشار العلمانية وتفعيلها في مصر المسلمة
طه حسين
من أبرز دعاة التغريب في العالم الإسلامي، تلقى علومه على يد المستشرق اليهودي دور كايم ، فتربى على شبهات المستشرقين وتأثر بآرائهم وتبنى الكثير منها، يتضح ذلك جليًا في كتابيه «الشعر الجاهلي»، و«مستقبل الثقافة في مصر»، حيث دعا في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» إلى السير على سيرة الأوروبيين في الحكم والإدارة والتشريع، ونادى بحمل مصر على الحضارة الغربية، لأن مصر في زعمه جزء من أوروبا، وأن العقل المصري عقل يوناني غربي، ومن ذلك قوله «إن سبل النهضة واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء وهي أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا ولنكون شركاء لهم في الحضارة»
وإبان صدور هذا الكتاب تولى منصب وزير المعارف كمقابل له على إبداعه وانصهاره مع العقل الغربي، ووصفه للشريعة الإسلامية بالنظام العتيق الذي يجب أن نتخلص منه إلى اللادينية والذي يجب أن يكون نظام الحكم فيه على أساس مدني لا دخل للدين فيه
أما في كتابه «الفتنة الكبرى»، فالتشنيع على الصحابة الأطهار والانتقاص منهم وإثارة الشبهات حولهم هو المنهج الذي سلكه في الكتاب، وإليك نماذج مما قال
قوله عن عمرو بن العاص رضي الله عنه «وهنا ظهر عمرو بن العاص الذي لم يكن أقل دهاء ولا أدنى مكرًا ولا أهون كيدًا من معاوية »
يقول عن معاوية رضي الله عنه في موقفه من أبي ذر رضي الله عنه «وقد ضاق معاوية برجلٍ عظيم الخطر من أصحاب النبي هو أبو ذر ولم يستطع أن يبطش به لمكانه من رسول الله وإيثاره إياه ولسابقته في الإسلام، ولم يستطع أن يفتنه عن دينه بالمال»
أما عن خالد بن الوليد رضي الله عنه فيقول عنه «إنه قتل مالك بن نويرة حبًا في امرأته، فضلاً عن وصفه بالعجب والخيلاء، بل ذهب إلى أن خالدًا في فتوحاته أجرى ماء النهر بدماء أعدائه
ولم يسلم منه كذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث وصفه في أكثر من موضع بالبطش وأنه لم يمت حتى مَلَّكَتْه قريش، وأن الصحابة كانوا ينافقونه
ليس هذا فحسب، بل راح يطعن في كبار الصحابة كابن عباس، والزبير، وطلحة، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وعثمان بن عفان، وغيرهم، وصورهم بالقتال على الدنيا، ومن أجل متاعها الزائل
ولم يكن كتاب «الفتنة الكبرى» فقط هو السبيل لطعن طه حسين على صحابة النبي الأخيار، وإنما راح أيضًا في كتبه «مرآة الإسلام»، و«الشيخان»، و«الوعد الحق» ليشكك في نظام الحكم الإسلامي في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بالإضافة إلى جحوده ونفيه لشخصية عبد الله بن سبأ اليهودي الخبيث الذي صنع الرفض بمعتقداته الباطلة، وحول هذا المعنى يقول «إن الناس كانوا يعارضون حكم عمر ولكنهم يخشونه ويخافون منه، والثورة على عثمان دليل فشل التجربة الإسلامية، وأن الوقت لم يعد في مصلحة الحكم والخلافة الإسلامية»
ويقول أيضًا «ويخيل لي أن الذين يكبرون من أمر ابن سبأ إلى هذا الحد يسرفون على أنفسهم وعلى التاريخ إسرافًا شديدًا»
أما في كتابه «الشعر الجاهلي» الذي استمد معظم آرائه فيه من المبشر زويمر والمستشرق اليهودي مارجليون، فقد راح طه حسين يشكك في كل ما ينكره عقله وهواه، حتى إنه حُوكم بسبب كتابه هذا الذي ادعى فيه أن الشعر الجاهلي من وضع المسلمين الأوائل ولا علاقة له بالجاهلية وضعه المسلمون الأوائل ترويجًا لدينهم وتعظيمًا لنبيهم القرشي وتصديقًا لنبوته، وهذا وصف لهم بالتلفيق والكذب والوضع، فهل هذا يليق بسلف الأمة؟ ولكنه عمي البصيرة، ولا يفوتك أخي ما لهذا الادعاء من عدم تصديق السلف الصالح في كل ما نقلوا لنا من أحاديث وآثار لأن الثقة فيهم لم تعد معتبرة بزعم طه حسين
وتزداد مصائب عميد الأدب حينما يثني على رسائل إخوان الصفا ووصفهم بالمجددين المصلحين مع إجماع أهل العلم المعتبرين على شرها وخروجها واحتوائها على عقائد فلسفية من اعتقادات الباطنية والفلاسفة والتي منها
إنكار البعث بالأجساد في الآخرة
إنكار الشياطين على الصورة المعروفة عند المسلمين
اعتقاد أن النبوة تكتسب عن طريق الرياضة وصفاء القلب
الميل إلى معتقدات الرافضة من عصمة الأئمة والتقية
الدعوة إلى وحدة الأديان
تفسير الكفر والعذاب تفسيرًا باطنيًا معنويًا
هذا قليل من كثير عن دور عميد الأدب الذي يتبنى البعض أفكاره، ويصورونه للأجيال بأنه قاهر الظلام، وأنه جعل التعلم كالماء والهواء، وأنه من الأعلام ورواد الفكر والثقافة
والله من وراء القصد.
[center]